روائع مختارة | واحة الأسرة | فقه الأسرة | الحقوق الزوجية في الإسلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > فقه الأسرة > الحقوق الزوجية في الإسلام


  الحقوق الزوجية في الإسلام
     عدد مرات المشاهدة: 2100        عدد مرات الإرسال: 0

من حسن رعاية الإسلام للأسرة وإهتمامه بشئونها، أنه رتب حقوقاً مشتركة للزوجين معاً على بعضهما، وحقوقاً منفردة للزوج على زوجته، وحقوقاً منفردة أيضاً للزوجة على زوجها.

= أما الحقوق المشتركة بين الزوجين معاً فهي خمسة:

*الحق الأول: حل العشرة الزوجية التي ما كانت لتحل إلا بعقد الزواج، قال الله تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة:187].

ويستتبع هذا الأمر حق كل منهما في الإستمتاع الجسدي بالآخر، الذي هو أمر مشترك بينهما، لا ينبغي أن ينفرد به أحدهما، روى أبو يعلى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها، فإذا قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها».

*الحق الثاني: حرمة المصاهرة وهي أن تحرم الزوجة على أصول الزوج وفروعه، كما يحرم هو على أصولها وفروعها، بحسب ما تقدم ذكره في المحرمات من النساء.

*الحق الثالث: ثبوت نسب الولد المولود من الزوجة لزوجها صاحب الفراش، وهذا حق أدبي معنوي يحفظ مكانة الزوجين ويصونها من مقال السوء في ظل عقد الزوجية الساري روى الشيخان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وهكذا يعرف أن هذا الولد أبوه فلان وأمه فلانة.

*الحق الرابع: ثبوت التوارث بين الزوجين، فإن مات أحدهما يعيد العقد ورثه الآخر، ولو كان الموت قبل الدخول والزفاف.

*الحق الخامس: المعاشرة بالمعروف، إذ يجب على الزوجين معاً أن يعاملا بعضهما بالمودة والوئام، والإحترام والسلام، وحسن الخلق وطيب الكلام قال الله تعالى مخاطبً الرجال: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء:19].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب النساء: «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة» رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم.

= وأما الحقوق المنفرد التي للزوج على زوجته فهي سبعة:

* الحق الأول: أن تطيعه في غير معصية، لأن الزوج عماد الأسرة الأول وربانها المقدم، ومن حقه أن يجد الطاعة ممن يشرف عليهم ويسهر على راحتهم، لأن ذلك دليل البر والوفاء والحب والإكرام، وقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد والطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي باب شئت».

وحق طاعة الزوجة لزوجها مقيد بالبر والمعروف، حيث إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما أن أغلب مجالات هذه الطاعة في الأمور المباحة التي تتحقق من ورائها سعادة الأسرة وإستقرارها بعيداً عن النزاع والشقاق والإفساد، أما لو أمر الزوج زوجته بمعصية، فلا ينبغي لها أن تستجيب، بل يتوجب عليها بذل مساعيها لإقناعه في العدول عن مواقفه الخاطئة.

هذا ومما ذكره الفقهاء في طاعة الزوجة لزوجها: ألا تصوم نافلة إلا بإذنه، ولا تحج تطوعاً إلا برضاه، ولا تخرج من البيت إلا بعلمه، ولا تتصدق من ماله إلا بموافقته.

وحكمة جعل الشارع طاعة الزوجة لزوجها واجبة عظم ما له من حق عليها وعلى بقية أفراد الأسرة، وقد نال هذا الحق نتيجة مكابدته في الحياة العامة، ودخوله إلى أعماقها، وإطلاعه على أسرارها وتقلباتها وطرق تعامل الناس: محسنهم ومسيئهم، حتى كون تجربة وخبرة كلفته جهده وتعبه اليومي وتكبده المشاق والمصاعب التي بوأته بحق وجدارة أن يكون المسئول عن الأسرة والمشرف على مستقبل مسارها، ولقد توج رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المكانة التي للزوج عند زوجته بالحديث الذي رواه الحاكم وأحمد والترمذي وأبو داود أنه قال: «لو كنت آمر أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها، لعظم حقه عليها».

على أن تمليك الشرع للزوج حق الطاعة لا يمنع من إطلاعه زوجته وأولاده الراشدين على بعض القضايا لإستشارتهم وتبادل الآراء معهم، والوصول إلى قناعة مشتركة عند الجميع تلزمهم بتحمل تبعاتها مستقبلاً وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إستشار بعض نسائه وأخذ برأيهن.

* الحق الثاني الذي للزوج على زوجته: أن تستقر في بيتها فلا تخرج إلا برضاه، لأن البيت ميدان وظيفتها الفطرية ونشاطها الطبيعي، وهذا يتطلب منها حضوراً دائماً وملازمة مستمرة تتابع فيها شئون الأبناء وإحتياجاتهم، وتراعي مصالح المنزل وتدبر شئونه، فيكون واحة للأمن والسكينة والراحة لجميع أفراد الأسرة زوجاً وأبناء.

روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حق الزوج على زوجته ألا تخرج من بيته إلا بإذنه، فإن فعلت لعنها الله حتى تتوب أو ترجع».

وقد قام العلماء بتوضيح معاني هذا الحديث فذكروا: أن للزوجة أن تزور أبويها مرة كل أسبوع، ولو لم يأذن الزوج لها بهذا، وذلك لعظم حق الأبوين ووجوب برهما، ولأن هذا الخروج من صلة الرحم، وهي واجبة وتركها معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وكذلك إذا كان أحد أبويها مريضاً فلها عيادته والقيام على تمريضه إن لم يكن هناك من يمرضه، لأن ذلك واجب شرعي، ليس للزوج منعها منه.

كما يسمح للمرأة بالخروج من بيتها في أمر تقدر أنه لا يستتبع غضب زوجها ولا لومه بحسب ما تعرفه فيه بحكم العادة والمخالطة، على أنها لا ينبغي الإكثار من الخروج لئلا يخالف معنى القرار في البيت الذي أمر الله تعالى به في قوله: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} [الأحزاب:32].

وإن كانت الزوجة ذات حرفة وعمل، كأن تكون مدرسة أو طبيبة، ورضي زوجها أن تستمر في عملها، فلا بأس بخروجها لأداء واجبات حرفتها، مع إحتفاظ زوجها بحقه في منعها من العمل مستقبلاً، لأن حقه في إستقرارها المنزلي ثابت وأصيل ومستمر، على أن يكون الباعث على المطالبة به مستقبلاً مصلحة الأسرة لا الشقاق والعداوة والرغبة في الخصومة.

* الحق الثالث الذي للزوج على زوجته: فهو القوامة، ومعناها: الإشراف العام على مسار الأسرة وتوجهاتها وضبط أمورها ضمن أحكام الشريعة، وهو ثابت في قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً} [النساء:34].

وليس المراد بالضرب في الآية الإيذاء والإهانة، بل المراد ما كان على وجه التنبيه والإرشاد ولفت النظر، ولا يحل للزوج أن يلطم زوجته على وجهها أو يضربها ضرباً مؤذياً أو يسيء إلى كرامتها وبخاصة أمام أولادهما، وإن هذا الفعل لا ينسجم مطلقاً مع عمق العلاقات الزوجية وتعانق المشاعر بين الرجل والمرأة.

روى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فذكر النساء ووعظ فيهن فقال: «يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه»، بل الزوج العاقل الرشيد لا يضرب زوجته وأمامه طرق أخرى من سبل الإقناع والمحادثة والمحايلة والملاطفة التي تفعل سحرها في النفوس، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة فقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادماً ولا امرأة قط، وهو الذي يقول فيما يرويه الترمذي: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».

هذا، ومن جملة حقوق الزوج على زوجته: ألا تدخل البيت أحداً يكرهه الزوج لقوله صلى الله عليه وسلم للرجال فيما رواه الترمذي: «فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون» سواء كان الداخل من النساء أو الرجال المحارم، حفاظاً على وحدة البيت وإستقراره وسمعته.

ومن حقوق الزوج أيضاً: قيام الزوجة برعاية الأولاد وتدبير شئون المنزل وتيسير أسباب الراحة البيتية لجميع أفراد الأسرة، وقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَكَمَ بين علي وفاطمة رضي الله عنهما حين إختلفا في توزيع الأعمال أن جعل على فاطمة خدمة البيت وجعل على علي العمل والكسب.

ومن الحقوق التي للزوج: أن تتجمل وتتزين لزوجها وتحسن هيئتها له ولا تمنعه نفسها، روى أبو داود عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها زوجها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله، كما روى أبو داود أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حق الزوج على زوجته ألا تمنعه نفسها ولو كانت على ظهر قتب».

ومن حقه عليها: أن تحفظه في نفسها وماله وترعى أسراره ولا تشهر به، ولا تنتقص مقداره بين الناس بما تفعله في نفسها وفي سمعته، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله».

= وأما الحقوق المنفردة التي للزوجة على زوجها فهي ثلاثة:

-الأول: الرفق في المعاشرة والعدل في المعاملة قال الله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء:19].

ولما كان الرجل بحكم الطبع والعرف هو الجانب الأقوى جاءت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية تذكره بوجوب الرفق واللين في معاملة زوجته، وتوصيه بالإحسان إليها والصبر عليها، لأن هذا كله من المعاشرة بالمعروف التي تتضمن ملاطفة الزوج لزوجته وإكرامها والتغاضي عن بعض زلاتها وما لا يستحسنه من جبلتها وطبائعها، كما يتضمن صيانتها وحفظها وتعليمها ما ينفعها في دنياها وآخرتها.

أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك -أي لا يبغض- مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر»، كما أنه ليس من المعاملة الحسنة والمعاشرة بالمعروف إيذاء الزوجة بالقول أو بالفعل، أو الإساءة إليها في نفسها وسمعتها ومكانتها، روى أبو داود عن معاوية بن حيدة قال: قلت يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا إكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح -أي تشتم ولا تسب- ولا تهجر إلا في البيت».

هذا، وإن الرجل الحصيف العاقل الوفي الفاضل يسعى في إستلطاف زوجته وإكسابها ثقته، والسمو بنفسها نحو الفضائل تحقيقاً لمعنى حسن العشرة، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أبر الناس بأهله وألطفهم بهم معاشرة، وأكرمهم نفساً وأوسعهم صدراً، وكان يصلي من الليل وعائشة زوجته معترضة -أي نائمة بينه وبين القبلة- ولا يوقظها تجنباً لإزعاجها وحرصاً على راحتها، وبراً بها، ووفاء لمجهودها والقصة مذكورة في الصحيحين.

-الثاني: أما حق المرأة الثاني على زوجها فهو المهر، وهو من قبيل إكرام الزوج لزوجته، ومؤانسته لها إستعداداً لبدء الحياة الزوجية، وهو حق لازم لا يصح عقد الزواج بدونه، تمييزاً له عن الصلات غير المشروعة، وليس له حد أعلى، غير أنه يندب عدم المغالاة في المهور، تيسيراً على المتزوجين وتشجيعاً على تكوين الأسر، ورحمة بالشباب الذين لم يتوغلوا بعد في غمار الحياة وجمع المال، روى أحمد والبيهقي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة».

وقد رغب الإسلام الزوج في تقديم المهر كله أو بعضه لزوجته قبل زفافها والدخول بها، لإدخال السرور على نفسها وإشعارها بكرامتها ومكانتها روى أبو داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما تزوج علي فاطمة رضي الله عنهما أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئاً فقال: ليس عندي شيء فقال له: «أين درعك الحطمية؟» أعطها إياها، فأعطاها درعه، ثم دخل بها.

-الثالث: وأما الحق الثالث فهو النفقة، وهي واجبة على الزوج بمقتضى توزيع المسئوليات في الأسرة بين الزوجين، لأن الزوجة هي التي تتولى شئون البيت الداخلية من رعاية وتدبير وتنظيم وحضانة، والزوج هو الذي يتولى شئون الكسب والعمل والسعي خارج البيت، ثم الإنفاق على أسرته والتوسعة عليها وكفايتها ولو كانت زوجته غنية.

والمقصود بالنفقة هنا: توفير ما تحتاجه الزوجة من مسكن وغذاء وكساء وخدمة ودواء، ونحو ذلك مما جرى به عرف أمثالها، بحسب مستواها الإجتماعي وتطور الأزمنة.

أما تقدير النفقة فمرتبط بأحوال الزوج المالية من غير نزول عن حدود الكفاية، وهذا يختلف بإختلاف الأمكنة والأزمنة والأعراف والعادات.

قال الله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً} [الطلاق:7].

وروى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» أي بما تعارفه الناس.

هذه هي مجمل الحقوق الزوجية بين الرجل والمرأة، وهي لا تحكمها القوانين بقدر ما تحكمها المودة والوفاء والحب والوئام، غير أن الإسلام حرص على بيانها وإحاطتها بالرعاية والتقدير، لتحقيق مزيد من السعادة في رحاب الأسرة المسلم، فترفد المجتمع بأبنائها الصالحين الذين يشاركون في تقدمه ورقيه.

الكاتب: أ.د. حسن عبد الغني أبوغدة.

المصدر: موقع رسالة الإسلام.